رحلة الحج مشقة ومسرة
رحلة الحج ومناسكة شيء عظيم، وله ذكريات لا تنسى؛ عادت أم سعيد من الحَج، وحضرت نسوة المخيم ليباركن لها بالحج والعودة سالمه، وهذه عادة فلسطينية أصيلة.
فكل من عزم على الحَج، يتم زيارته؛ لتوديعه، راجين من المولى أن يعود سالماً غانماً، وقد غفرت ذنوبه، وسترت عيوبه، وكذلك بعد عودته يتم استقباله.
في هذا اليوم المشهود بعودة أم سعيد من الحَج، اجتمعت النسوة تحت شجرة الزيتون، وقدمت أم سعيد لهن هدايا الحج على صينية كبيرة.
هدايا الحج
كان على الصينية العديد من السبح المختلفة الأحجام والألوان، وكمية من أعواد المسواك الموزعة على الصينية، وبعضاً من زجاجات العطر.
قالت أم سعيد للنسوة: كل واحدة تختار ما يعجبها من هذه الهدايا، هذا أقل ما نقدمه للأحباب بعد هذه العودة المباركة،
ونرجو من الله القبول، ونتمنى من ألله أن ينالها كل قريب وحبيب.
دخلت أم سعيد البيت، وأحضرت قارورة مملوءة بماء زمزم، وأخذت تصب ماء زمزم في أكواب صغيرة،
وتقدم الأكواب للنسوة ليشربن تبركاً بهذا الماء المبارك، الذي فيه شفاء ودواء بإذن رب الأرض والسماء.
ذكريات الحج
بعد أن هدأت النسوة في المكان، بدأت أم أحمد تعيد ذكرياتها، وتروي ما استطاعت أن تعيده من شريط (ذكريات الحج لأم سعيد من غزة).
اعتدلت أم أحمد في جلستها، ووضعت الوسادة خلف ظهرها، وقالت: عودة أم سعيد ذكرتني برحلتنا أنا وأبو أحمد إلى الحج، إنها رحلة لا تنسى!
قالت إحدى الحاضرات: قولي يا أم أحمد: نحن جالسات وقاعدات لا شغلة ولا مشغلة، خلينا نذّكر ونتحسر على ما فات من عمرنا،
والله يا نسوان عمر إلا فات ما يعود!
دخلت أم سعيد، وبدأت الحديث من جديد.
وقالت: في يوم المغادرة للحج، ودعنا الأحباب والأصحاب، وطلبنا منهم المسامحة، فالأعمار بيد الله، وقد لا يعود الواحد من الحج، الله يطول في أعماركن.
خط سير الرحلة
أغمضت أم سعيد عينيها، وهي تتذكر الرحلة، وقالت: تجمع الحجاج في ميدان المدينة، وحضرت جموع غفيرة من المودعين للحجاج.
وبعد مدة قصيرة، جاءت الحافلات التي ستنقلنا إلى معبر رفح البري.
وبعد اكتمال عدد كل حافلة من ركابها، انطلقت الحافلات إلى معبر رفح البري، وبعد أن اكتملت الإجراءات في الميناء، ركبنا حافلات مصرية قد تم تجهيزها لاستقبال ونقل الحجاج.
انطلقت الحافلات لتقطع صحراء سيناء الطويلة، والتي استغرقت عدة ساعات حتى وصلنا إلى قناة السويس، وعبرت الحافلات القناة، ثم اتجهت صوب ميناء السويس البحري.
وصلت الحافلات إلى ميناء السويس البحري، وهناك دهشت عندما رأيت سفينة ضخمة ترسو في الميناء، وقالوا لنا هذه السفينة ستنقلكم إلى جدة.
أخذت أنظر إليها في استغراب، وقلت في نفسي هل هذه السفينة ستحمل كل هذا العدد من الحجاج مع العدد الكبير من الأخوة المصريين الذين كانوا ينتظرون في صالات الميناء.
بعد استكمال الإجراءات في الميناء، اتجهنا صوب السفينة، فإذا هي أكبر مما توقعت، فهي تتكون من عدة طوابق، وكل طابق مخصص لحمل أشياء معينه.
فهناك طابق لحمل السيارات. وطوابق بها غرف كثيرة للناس، وفي الأعلى طابق به قوارب نجاة ومعدات مختلفة لا أعرفها.
العجيب أن هذه السفينة فيها محلات متنوعة: فيها محلات المأكولات، ومحلات لبيع الملابس والهدايا، وهناك مطاعم، وغير ذلك…
بعد ثلاثة أيام تقريباً، رست السفينة في ميناء جدة، وهناك كان في استقبالنا حافلات قامت بنقلنا إلى مكة.
وبعد ذلك أكملنا مشاعر الحج، والحمد لله رجعنا بالسلامة، والله يغفر لنا ولكن.
ذكريات حج أم أحمد
نظرت أم سعيد إلى أم أحمد، فوجدتها شاردة الذهن، وكأنها في عالم آخر، قالت أم سعيد إلى أم أحمد: إلى أخذ عقلك يرجعه!
أنا شايفك سارحة في وادِ ثانِ، الله يفرحه إلا أخذ عقلك.
تنهدت أم أحمد، وأخذت الدموع تنهمر من عينيها، وبدأت تتكلم بحشرجة. قدمت إحدى النسوة الماء لها.
وقالت لها: اهدئي يا أم أحمد، الله يرحمه، أنت تذكرتي المرحوم أبو أحمد، كان رجلاً خلوقاً ومحترماً.
ولكن قضاء الله وقدره. وفي أحد يموت ميته مثل ميته؛ في مكة يا أم أحمد، في مكة يا أم أحمد!!!
دعاء أبو أحمد قبل وفاته
أجهشت أم أحمد بالبكاء، وقالت: هل تعرفن أين، وكيف مات؟
أقول لكن: ذهبت أن وأبو أحمد لوداع الكعبة في آخر موسم الحج، فجلست أنا وهو على الصفا، وكانت الكعبة أمامنا.
فوجدت أبو أحمد يرفع يديه، ويدعو وهو يبكي، ويقول:
اللهم يا من أخرجت يونس من بطن الحوت مكرماً، ويوسف من السجن صابراً، وإبراهيم من النار سالماً، وأعدت موسى إلى حضن أمه فرحاً، أن تعيد لنا قدسنا.
رددها ثلاثاً، ثم وضع رأسه على كتفي، ولم ينبس بكلمة، وفارقت الروح الجسد، وصعدت إلى بارئها.
التفتت أم أحمد إلى النسوة، فوجدتهن يجهشن بالبكاء، ورفعت إحداهن رأسها، وقالت:
الله يصبرك يا أم أحمد، ويصبرنا على فراق هذا الرجل الطيب، ويوعدنا بالحج، وميتة كميتته.
رددت النساء معاً: آمين آمين.