حصار حصن الروم
تعتبر قصة الملثم صاحب النقب من روائع القصص الإسلامي، لأنها تحيي في صدورنا الجهاد الحقيقي الذي ليس فيه رياء ولا مصلحة دنيوية.
في زمن الدولة الأموية حاصر المسلمون بقيادة مسلمة بن عبد الملك، وكان أمير الجيش، أحد حصون الروم الشديدة التحصين.
استمر الحصار شهوراً، ولم يستطع المسلمون اقتحامه، لأن جيش الروم كانوا يرمونهم بالسهام، ويقذفون كل من اقترب من الحصن بكرات من اللهب.
ولما استعصى على المسلمين فتحه، تقدم القائد المسلم، ووقف خطيباً، وقال:
أما فيكم من أحد يتقدم، ويحدث في هذا الحصن نقباً، نستطيع الدخول منه؟ وأجعله نائباً لقائد للجيش، وأعطيه ما يريد من المال وغيره.
بعد خطاب القائد، لم يتقدم أحد، ويظهر موافقته على المهمة الصعبة، التي تتكلل بالمخاطرة، لأن من يقترب من الحصن سيتعرض للسهام، والحجارة، وكرات من اللهب.
الملثم يخاطر بحياته
فتقدم جندي ملثم، وتسلل نحو الحصن ليلاً، وبعد جهد وعناء شديدين، استطاع أن يفتح نقباً في سور الحصن.
عاد الجندي البطل، دون أن يشعر به أحد.
بعد شروق اليوم التالي، استعد المسلمون لجولة جديدة من القتال، قام البطل الشجاع بالدخول إلى الحصن من النّقب الذي أحدثه.
فجأة/ هاجم البطل حراس باب الحصن، واستطاع السيطرة عليهم، وفتح باب الحصن.
اندفع المسلمون، واقتحموا الحصن من الباب، ومنهم من تسلق الأسوار، وفوجئ الروم بتكبيرات الجيش الإسلامي، وهو يعتلي أسوار قلعتهم الحصينة، ويدخل إليهم من بابها.
وما إن فُتِحَ الحصن، وتحقق النصر المظفر للمسلمين، حتى وقف القائد مسلمة، ونادى في الجيش:
أين فاتح النّقب؟ أين صاحب النقب؟ أين هو لينال المكافأة؟
لم يستجب للنداء أحد، ولذلك لم يخرج أحد. كرر القائد نداءه، ولكن لم يتقدم أحد.
ظل الحال عدة أيام والقائد مسلمة ينادي: أين صاحب النقب؟ ولكن لا مجيب.
شروط الرجل الملثم
وفي أحد الليالي، فوجئ حراس أمير الجيش مسلمة، بجندي ملثم، يريد مقابلة الأمير، فسألوه عن غايته.
قال الجندي الملثم: أنا أعرف صاحب النقب، وأستطيع أن أدلكم عليه، وأريد أن أخبر الأمير عنه.
أدخل الجنود الملثم إلى الأمير، فسأله الأمير: أخبرني بسرعة عن صاحب النقب، فأنا مشتاق لرؤيته.
قال الجندي الملثم: صاحب النقب له شروط حتى يكشف لك عن شخصيته، فأسرع مسلمة، وقال بلهفة: له ما يريد من الأموال والغنائم، قل لنا من هو؟
قال الجندي الشجاع: أن صاحب النقب، وشروطي هي: أن لا أريد مالاً ولا جاهاً، وكذلك لا أرغب في أن يرفع اسمي إلى الخليفة، و أن لا أكشف عن شخصيتي، وأن لا يذكر اسمي.
دهشة الأمير من الملثم ودعاؤه
دُهش الأمير من قول الملثم، واستغرب من ذلك، ولذلك أعجب بالرجل وأراد أن يتعرف عليه.
قال الأمير للرجل: ولماذا هذه الشروط؟ أجاب الملثم: أيها الأمير، أريد أن يكون عملي جهاداً خالصاً لوجه لله تعالى.
وبذلك أخذ عهداً من الأمير على ألَّا تُكشف شخصيته واسمه إلى أحد، ثم خرج.
ومرت السنون، بل مئات السنين، ولم يُعرف من هو الرجل الملثم. فالله العليم القدير هو وحده المطلع على عباده ، و يعرف البطل الملثم، ولا يضيع أجر المحسنين.
لكن الأمير مسلمة لم ينس شجاعة صاحب النقب، ولذلك كان يدعو دائماً، ويقول: اللهم اجعلني مع صاحب النقب.