قصة قطار الحياة
هل ركبت يوماً قطار الحياة، وماذا تعرف عنه؟ في الحقيقة، أنت تصعد القطَار كل يوم!
ولكن ما هي وجهتك؟ وما هي نظرتك إلى الحياة؟
هيا بنا إلى الصعود إلى قطَار الحياة السريع، ونحدد وجهتنا، ونتعرف على أهدافنا.
حكيم في قطار الحياة
صعد حكيم قطًار الحياة يوماً، وكان القطًار متجهاً صوب بلد بعيد،
ولذلك سيمر بمحطات عدة، وكل محطة تحمل اسماً، وصفة تميزها عن غيرها.
جلس الحكيم في مقعده، وجلس بجواره شاب، وما إن امتلأ القطًار،
حتى تحرك ببطء، ثم انطلق بسرعة إلى وجهته الأولى.
فوجئ الحكيم بحركات الشاب الغريبة، حيث كان الشاب لا يستقر في جلسته، يقوم ويقعد، ويفرك يديه ويتمتم.
زاد الشاب في حركاته، وأخذ يلتفت يمنة ويسرة، وينظر إلى ساعته كل فينة وأخرى،
وكأنه يطلب من ساعته أن تتوقف، ومن القطًار أن يصبح طائرة.
نظر الحكيم إلى الشاب، وقال له بصوت هادئ: يا بني، ما بالك ولم هذه العجلة؟
التفت الشاب إلى الحكيم، ثم صرخ قائلاً: أرجوك أن تسكت، وتتركني في حالي.
أدار الحكيم وجهه إلى الجهة الأخرى، حتى لا يرى ما يقوم به الشاب من أمور قد تزعجه.
انشرحت أسارير الحكيم، حيث رأى منظراً، يشرح الصدر، رأى أسرة مكونة من أب وأم وطفلهما.
كانت الأسرة في فرح وسرور، حيث كان الطفل يقفز من حضن أبيه إلى حضن أمه،
وهما يتبادلان الإمساك به.
ومن شدة دهشة الحكيم وسروره، كان لا يرغب في وصول القطَار إلى المحطة القادمة،
حتى لا يفتقد هذه الأسرة المرحة.
الوصول إلى محطة قطار الحياة الأولى
أخيراً، وصل القطَار إلى المحطة، وما إن فُتِحَت أبواب القطَار، حتى شوهد الشاب،
وهو يقفز من باب القطَار كالمجنون، الذي يبحث عن شيء فقده.
فجأة، علا صراخ الجماهير التي أمام المحطة، فنظر الحكيم من شباك القطَار،
فوجد الشاب ملقى على رصيف القطَار، ووجهه مغطى بالدماء.
قفز الحكيم من مقعده، ونزل من القطَار قبل أن يتحرك إلى المحطة الثانية، وتوجه الحكيم صوب الشاب.
حضرت سيارة الإسعاف، ورافق الحكيم الشاب المغمى عليه إلى المستشفى.
استيقظ الشاب بعد منتصف الليل من غيبوبته، ونظر حوله، فوجد الحكيم بجواره،
فسأل الحكيم:
أين أنا؟ ولماذا أنا هنا؟ وأين القطَار؟
ابتسم الحكيم، وقال: أنت ما زلت في قطَار الحياة، والحمد لله لم تغادر هذا القطار،
وكنت تريد أن تصل قبل موعدك، ولكن هيهات!
تعجب الشاب، ثم نظر إلى ساعته، وصرخ، انتهت المباراة، كنت أود أن اتابعها،
ولكن لا أدري ما حدث.
هز الحكيم رأسه، قائلاً: كادت المباراة أن تقضي عليك.
ألا تدري بأن رأسك ارتطم بعمود النور في محطة قطار الحياة، عندما قفزت من القطار؟
دروس من قطار الحياة
طأطأ الشاب رأسه خجلاً من الحكيم، وقال له:
لقد أسأت لك في القطار عندما سألتني عن سبب عجلتي في وصول قطار الحياة إلى المحطة.
ولكن، لماذا لم تواصل رحلتك مع قطار الحياة،
وأنا عرفت من التذكرة التي تحملها بأن وجهتك، هي آخر محطة؟
أخذ الحكيم يربت على كتف الشاب قائلاً: محطات قطار الحياة كثيرة،
قد ترغمك إحداها على التوقف، وقد تجبرك الأخرى على مواصلة المسير.
فالمحطة الأولى، علمتك أن الصبر، والتريث وعدم العجلة قيمة عظيمة، أوصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظر الشاب إلى الحكيم، والدموع تترقرق في عينه، وقال:
لقد تعلمت في هذه المحطة، كيفية مقابلة الإساءة بالحسان.
لقد أسأت لك، ولكنك قابلت هذه الإساءة بالإحسان، ورافقتني إلى المستشفى، وكأنني من أفراد أسرتك.
المحطة الأخيرة
فجأة، أخذت قطرات من الدماء تسيل على وجه الشاب، وأخذ جرحه ينزف مرة أخرى،
وزاغت عينا الشاب، وفقد الوعي مرة ثانية، ودخل في غيبوبة جديدة.
انطلق الحكيم صوب غرفة الأطباء، وأخذ يصرخ طالباً النجدة للشاب، الذي كان جرحة ينزف بشدة.
رافق الحكيم مجموعة من الأطباء والممرضين إلى سرير الشاب،
وطلب طبيب من الممرضين حمل الشاب إلى غرفة العمليات فوراً.
أجريت للشاب عملية جديدة، ثم أخرج من العملية، ولسوء حالته،
ادخل غرفة العناية المركزة(المكثفة) ومكث فاقداً وعيه فترة ليلة كاملة.
كان الحكيم ينتظر استيقاظ الشاب على أحر من الجمر،
وكأنه يعرفه من سنين، مع أن معرفته له كانت سويعات في قطار الحياة.
أخيراً، استيقظ الشاب من غيبوبته، وأمسك بيد الحكيم، والدموع تنسكب من عينيه،
وقال له بصوت خافت: شكراً لك،
لقد أيقظت الضمير في صدري، وداعاً، لقد وصل قطاري إلى محطته الأخيرة،
وأغمض عينيه وفارق الحياة.