حقيقة اللقاء في معركة بدر
إنها الحقيقة المُرَّة التي قد لا يصدقها عقل، ولكنها حدثت في معركة بدر، عندما التقى الفارسان الوالد والمولود.
دائماً، يكون اللقاء بين الوالد والمولود حميمياً، ولكن في هذا اليوم لم يكن كذلك، أتدري لماذا؟
إنه الإسلام الذي نوَّر الله به قلب الفارس الابن( أبو عبيدة بن الجراح)، وبقي قلب الأب مملوء بالحقد على الإسلام وأهله.
نحن نعرف أن معركة بدر كانت معركة فيصلية في بداية الإسلام، حيث التقى الجيشان في بدر:
جيش المسلمين بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم، وجيش المشركين بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي(أبو جهل).
لقاء القاتل والمقتول يوم معركة بدر
وما إن بدأت المعركة حتى أخذ فارسنا أبو عبيدة يجول ويصول، لا يخاف الموت، فهابه المشركون، فكانوا يفرون من أمامه، ويتنحون عنه.
لكن هناك رجل واحد من المشركين، كان أبو عبيده يبتعد عنه، ولا يواجه، ويتقي مقابلته.
لكن الرجل أصر على مواجهة أبي عبيدة، وسد عليه الطريق، ومنع أبا عبيدة من مواجهة المشركين.
فماذا يفعل أبو عبيدة؟ ومن هذا الرجل الذي كان يمتنع أبو عبيدة من لقائه؟
عندما وجد أبو عبيدة أن لا مفر من قتال هذا الرجل، ولما ضاق ذرعاً من فعله، تقدم إليه وضربه بالسيف ضربة فلقت رأسه نصفين.
إنه امتحان صعب جداً، امتحن به أبو عبيدة، عندما تواجه مع هذا الرجل.
أتعلم أن هذا الرجل هو عبد الله بن الجراح، والد أبو عبيدة.
فلماذا قتل أبو عبيدة أباه؟ هل تعتقد في زماننا هذا أن يفعلها إنسان؟
في الحقيقة/ إن أبا عبيدة لم يقتل أباه كإنسان أنجبه، بل قتل الشرك المتمثل في شخص أبيه.
ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى في شأن أمين الأمة؛ أبي عبيدة ابن الجراح قرآناً يتلى إلى ما شاء الله”
لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)المجادلة
تضحية أبي عبيدة يوم أحد
أخي/ ألا تعلم بأن أبا عبيدة فقد ثنيتاه( أسنانه الأمامية) في يوم أحد، فكيف كان ذلك؟
في هذه المعركة شجَّ جبين رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلم، وغارت في وجنته حلقتان من حلقات درعه.
فتقدم أبو عبيدة، لاقتلاعهما من وجنة رسول الله ، ولذلك أراد أن ينتزعهما بيده، ولكنه خاف أن يؤلم الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأقبل وعض الأولى بثنيته( أحد أسنانه الأمامية) عضة قوية، واستخرج الحلقة الأولى، وحينها سقطت ثنيته.
ثم عض بثنيته الثانية على الحلقة الأخرى، وانتزعها، وبذلك سقطت ثنيته الثانية.
ولذلك قال أبو بكر الصديق: كان أبو عبيدة بن الجراح من أحسن الناس هتماً( من انكسرت ثنيتاه)!!!
ومن قصص التضحية ( قصة الأعمى)
أبو عبيد يعصي أوامر الخليفة
كان أبو عبيدة بن الجراح وقافاً عند أوامر الله ورسوله، ولذلك كان مطيعاً لأوامر خلفاء الله من بعده، إلا في أمر واحد لم يطع الخليفة.
أتعلم ما الأمر؟ ومن هو خليفة المسلمين الذي عصى أبو عبيدة أوامره؟
لقد وقع ذلك عندما كان أبو عبيدة على رأس جيش للمسلمين في بلاد الشام، ولقد انتشر مرض الطاعون في هذه البلاد.
لذلك أرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسالة إلى أبي عبيدة، مفادها:
أنه عندما تصلك رسالتي هذه ليلاً، فعد إلينا في الصباح، وإذا وصلتك صباحاً، فلا تمسي حتى تكون بيننا.
فلما قرأ أبو عبيدة الرسالة، رد برسالة مفادها:
قد علمت ما تريد، ولكني لا أريد العودة، وأرغب في البقاء مع جنودي حتى يقضي الله أمراً، كان مفعولاً.
عندما وصلت رسالة أبي عبيدة إلى عمر، بكى بكاء شديداً، فسأله من عنده، هل مات أبو عبيدة؟
فقال لهم الخليفة عمر: لا ولكن الموت منه قريب.
ولم يطل الوقت، حتى أصاب الطاعون أبا عبيدة، ولما حضرته الوفاة، أوصى الجنود بالصلاة والصوم والحج، وأن لا تهلكهم الدنيا الفانية.
التفت إلى معاذ بن جبل، وطلب منه أن يصلي بالناس، ثم ما هي إلا لحظات حتى فاضت روحه الطاهرة.